فصل: (الشَّرْطُ الرَّابِعُ: الشَّهَادَةُ عَلَى النِّكَاحِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.[الشَّرطُ السَّابِعُ: الرُّشْدُ]:

(وَ) السَّابِعُ: (رُشْدٌ) لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، (وَهُوَ) أَيْ: الرُّشْدُ هُنَا (مَعْرِفَةُ الْكُفْءِ وَمَصَالِحِ النِّكَاحِ) وَلَيْسَ هُوَ حِفْظَ الْمَالِ، فَإِنَّ رُشْدَ كُلِّ مَقَامٍ بِحَسَبِهِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَهُوَ مَعْنَى مَا اشْتَرَطَهُ فِي الْوَاضِحِ مِنْ كَوْنِهِ عَالِمًا بِالْمَصَالِحِ، لَا شَيْخًا كَبِيرًا جَاهِلًا بِالْمَصْلَحَةِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا، وَيُقَدِّمُ الْوَلِيُّ أَصْلَحَ الْخَاطِبَيْنِ لِمُوَلِّيَتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحَظُّ لَهَا. وَفِي النَّوَادِرِ: يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَارَ لِمُوَلِّيَتِهِ حَسَنَ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ يُعْجِبُهَا مِنْ الرَّجُلِ مَا يُعْجِبُهُ مِنْهَا. (فَإِنْ كَانَ الْأَقْرَبُ مِنْ) أَوْلِيَاءِ الْحُرَّةِ (نَحْوِ طِفْلٍ) يَعْنِي غَيْرَ بَالِغٍ (وَكَافِرٍ وَفَاسِقٍ) ظَاهِرِ الْفِسْقِ (وَقِنٍّ وَمَجْنُونٍ مُطْبِقٍ وَشَيْخٍ إذَا أَفْنَدَ) أَيْ: ضَعُفَ فِي الْعَقْلِ وَالتَّصَرُّفِ.
قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْفَنَدُ بِالتَّحْرِيكِ: إنْكَارُ الْعَقْلِ لِهَرَمٍ أَوْ مَرَضٍ، وَالْخَطَأُ فِي الْقَوْلِ وَالرَّأْيِ وَالْكَذِبُ كَالْإِفْنَادِ، وَلَا تَقُلْ: عَجُوزٌ مُفْنِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ ذَاتَ رَأْيٍ أَبَدًا (أَوْ) اتَّصَفَ الْأَقْرَبُ بِصِفَاتِ الْوِلَايَةِ، لَكِنْ (عَضَلَ بِأَنْ مَنَعَهَا كُفْئًا رَضِيَتْهُ وَرَغِبَ) فِيهَا (بِمَا صَحَّ مَهْرًا) وَلَوْ كَانَ بِدُونِ مَهْرِ مِثْلِهَا (وَيَفْسُقُ) الْوَلِيُّ (بِهِ) أَيْ: الْعَضْلِ (إنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أَنَّهُ يَفْسُقُ إذَا تَكَرَّرَ الْعَضْلُ مِنْهُ (ثَلَاثًا) قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ بِالْعَضْلِ صَارَ فَاسِقًا؛ لِأَنَّ الْعَضْلَ قَدْ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ حَتَّى يَتَكَرَّرَ، فَإِذَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ بِأَنْ خَطَبَهَا كُفْءٌ، فَمَنَعَ، وَآخَرُ فَمَنَعَ؛ وَآخَرُ فَمَنَعَ، صَارَ ذَلِكَ كَبِيرَةً تَمْنَعُ الْوِلَايَةَ؛ لِأَجْلِ الْإِضْرَارِ، وَلِأَجْلِ الْفِسْقِ: نَقَلَهُ الشَّيْخُ التَّقِيُّ فِي الْمُسَوَّدَةِ (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ) أَيْ الْعَاضِلَ مُوَلِّيَتَهُ عَنْ التَّزْوِيجِ بِكُفْءٍ رَضِيَتْهُ (لَا يُزَوِّجُ) مُوَلِّيَةً أُخْرَى (غَيْرَ مَعْضُولَةٍ) مِنْ جِهَتِهِ (بِفِسْقِهِ) بِعَضْلِهِ الْأُولَى وَفِقْدَانِهِ الْعَدَالَةَ الَّتِي هِيَ مِنْ أَهَمِّ شُرُوطِ الْوِلَايَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمِنْ) صُوَرِ (الْعَضْلِ) الْمُسْقِطِ لِوِلَايَتِهِ (لَوْ امْتَنَعَ الْخُطَّابُ لِشِدَّةِ الْوَلِيِّ. قَالَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا حُرْمَةَ عَلَى الْوَلِيِّ هُنَا، لَأَنْ لَيْسَ لَهُ فِعْلٌ فِي ذَلِكَ (أَوْ غَابَ) الْأَقْرَبُ (غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً) وَلَمْ يُوَكِّلْ مَنْ يُزَوِّجَ؛ زَوَّجَ الْوَلِيُّ الْأَبْعَدُ (وَهِيَ) أَيْ: الْغَيْبَةُ الْمُنْقَطِعَةُ (مَا لَا تُقْطَعُ إلَّا بِكُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ) نَصَّ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَتْ غَيْبَتُهُ (فَوْقَ مَسَافَةِ قَصْرٍ أَوْ دُونِهَا) قَالَ الْمُوَفَّقُ: وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ، فَإِنَّ التَّحْدِيدَ بَابُهُ التَّوْقِيفُ، وَلَا تَوْقِيفَ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ لِتَحْدِيدِهِ الْمَسَافَةَ بِقَوْلِهِ: وَتَكُونُ فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْإِقْنَاعِ هُوَ احْتِمَالٌ مَرْجُوحٌ (أَوْ جُهِلَ مَكَانُهُ) أَيْ الْأَقْرَبُ، بِأَنْ لَمْ يُعْلَمْ مَحَلُّهُ أَقَرِيبٌ هُوَ أَمْ بَعِيدٌ، أَوْ عُلِمَ أَنَّهُ قَرِيبٌ، وَلَمْ يُعْلَمْ مَكَانُهُ (أَوْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ) أَيْ: الْأَقْرَبِ (بِأَمْرٍ أَوْ) تَعَسَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ (بِحَبْسٍ) وَلَوْ كَانَ مَحْبُوسًا فِي مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ (زَوَّجَ) فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا (حُرَّةً) وَلِيٌّ (أَبْعَدُ) وَهُوَ الَّذِي يَلِي الْأَقْرَبَ الْمَذْكُورَ فِي الْوِلَايَةِ أَمَّا إذَا كَانَ طِفْلًا أَوْ كَافِرًا وَهِيَ مُسْلِمَةٌ، أَوْ فَاسِقًا أَوْ عَبْدًا، فَلِعَدَمِ ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ لِلْأَقْرَبِ مَعَ اتِّصَافِهِ بِمَا ذُكِرَ؛ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَأَمَّا مَعَ عَضْلِ الْأَقْرَبِ أَوْ غَيْبَتِهِ الْغَيْبَةَ الْمَذْكُورَةَ، أَوْ تَعَذُّرِ مُرَاجَعَتِهِ فَلِتَعَذُّرِ التَّزْوِيجِ مِنْ جِهَتِهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ جُنَّ، فَإِنْ عَضَلُوا كُلُّهُمْ زَوَّجَهَا حَاكِمٌ.
(وَ) زَوَّجَ (أَمَةً حَاكِمٌ)؛ لِأَنَّ لَهُ نَظَرًا فِي مَالِ الْغَائِبِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ الْحَاكِمَ يُزَوِّجُ أَمَةَ مَنْ عُذِرَ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ (إنْ كَانَ لَا وَلِيَّ لَهَا) أَيْ: الْأَمَةِ (غَيْرُهُ) أَيْ: غَيْرُ سَيِّدِهَا الْمَعْذُورِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ مُشْتَرَكَةً، وَاضْطُرَّتْ لِلْفِرَاشِ؛ فَلِلْحَاضِرِ تَزْوِيجُهَا كَالْحُرَّةِ يُزَوِّجُهَا الْأَبْعَدُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأَقْرَبِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ زَوَّجَ) امْرَأَةً (حَاكِمٌ) مَعَ وُجُودِ وَلِيِّهَا؛ لَمْ يَصِحَّ (أَوْ) زَوَّجَهَا وَلِيٌّ (أَبْعَدُ بِلَا عُذْرٍ لِلْأَقْرَبِ) إلَيْهَا مِنْهُ (لَمْ يَصِحَّ) وَلَوْ أَجَازَهُ الْأَقْرَبُ، لِأَنَّ الْحَاكِمَ وَالْأَبْعَدَ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا مَعَ مَنْ هُوَ أَحَقُّ مِنْهُمَا؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ زَوَّجَهَا أَجْنَبِيٌّ (فَلَوْ كَانَ الْأَقْرَبُ) عِنْدَ تَزْوِيجِ الْحَاكِمِ، أَوْ الْأَبْعَدِ (لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ عَصَبَةٌ) ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَمْ يُعِدْ (أَوْ) كَانَ الْمَعْهُودُ عَدَمَ أَهْلِيَّةِ الْأَقْرَبِ لِصِغَرٍ وَنَحْوِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ (صَارَ) أَهْلًا (أَوْ عَادَ أَهْلًا) فَزَوَّجَ (بَعْدَ مُنَافٍ) كَالْجُنُونِ (ثُمَّ عَلِمَ) أَنَّهُ صَارَ أَهْلًا أَوْ عَادَ أَهْلًا قَبْلَ تَزْوِيجِهَا؛ لَمْ يُعِدْ الْعَقْدَ (أَوْ اسْتَلْحَقَ بِنْتَ مُلَاعَنَةٍ أَبٌ بَعْدَ عَقْدِ) وَلِيِّهَا عَلَيْهَا (لَمْ يُعِدْ) الْعَقْدَ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ. (وَيَلِي كِتَابِيٌّ نِكَاحَ مُوَلِّيَتِهِ) كَبِنْتِهِ وَأُخْتِهِ (الْكِتَابِيَّةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (حَتَّى) فِي تَزْوِيجِهَا (مِنْ مُسْلِمٍ)؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّهَا، فَيَصِحُّ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ؛ كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا مِنْ كَافِرٍ (وَيُبَاشِرُهُ) أَيْ: النِّكَاحَ، لِأَنَّهُ وَلِيٌّ مُنَاسِبٌ لَهَا، فَجَازَ لَهُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا وَمُبَاشَرَتُهُ. (وَيُشْتَرَطُ فِيهِ) أَيْ: كَافِرٍ يُزَوِّجُ مُوَلِّيَتَهُ الْكَافِرَةَ (شُرُوطُ) الْوَلِيِّ (الْمُسْلِمِ) مِنْ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ وَالذُّكُورَةِ وَالْعَدَالَةِ فِي دِينِهِ وَالرُّشْدِ وَالْحُرِّيَّةِ وَاتِّفَاقِ الدِّينِ.
تَتِمَّةٌ:
لَوْ تَزَوَّجَ الْأَجْنَبِيُّ لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، أَوْ زَوَّجَ الْوَلِيُّ مُوَلِّيَتَهُ الَّتِي: يُعْتَبَرُ إذْنُهَا كَأُخْتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا، أَوْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ؛ لَمْ يَصِحَّ. وَلَوْ أَجَازُوا بَعْدَ الْعَقْدِ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَهُوَ عَاهِرٌ»- وَفِي لَفْظٍ فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ؛ وَلِأَنَّهُ نِكَاحٌ لَمْ تَثْبُتْ أَحْكَامُهُ مِنْ الطَّلَاقِ، وَالْخُلْعِ وَالتَّوَارُثِ، فَلَمْ يَنْعَقِدْ كَنِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ، وَهُوَ نِكَاحُ الْفُضُولِيِّ، فَإِنْ وَطِئَ فِيهِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ.

.فَصْلٌ: [وَكِيلُ الْوَلِيِّ]:

(وَوَكِيلُ كُلِّ وَلِيٍّ) مِمَّنْ تَقَدَّمَ (يَقُومُ مَقَامَهُ غَائِبًا وَحَاضِرًا) مُجْبِرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَجَازَ التَّوْكِيلُ، فِيهِ كَالْبَيْعِ، وَقِيَاسًا عَلَى تَوْكِيلِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَكَّلَ أَبَا رَافِعٍ فِي تَزْوِيجِهِ مَيْمُونَةَ؛ وَوَكَّلَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ فِي تَزْوِيجِهِ أُمَّ حَبِيبَةَ». (وَالْوَلِيُّ لَيْسَ بِوَكِيلٍ لِلْمَرْأَةِ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَثْبُتْ وِلَايَتُهُ مِنْ جِهَتِهَا (وَإِلَّا مَلَكَتْ عَزْلَهُ) كَسَائِرِ الْوُكَلَاءِ وَإِنَّمَا إذْنُهَا حَيْثُ اُعْتُبِرَ، شَرْطٌ لِصِحَّةِ تَصَرُّفِهِ، فَأَشْبَهَ وِلَايَةَ الْحَاكِمِ عَلَيْهَا، وَحَيْثُ تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَيْسَ وَكِيلًا عَنْهَا (فَلَهُ تَوْكِيلُ) مَنْ يُوجِبُ نِكَاحَهَا (بِلَا إذْنِهَا) وَقَبْلَ إذْنِهَا لَهُ فِي تَزْوِيجِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُجْبَرَةً، لِأَنَّهُ إذْنٌ مِنْ الْوَلِيِّ فِي التَّزْوِيجِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِ الْمَرْأَةِ وَلَا الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ كَإِذْنِ الْحَاكِمِ، وَ(لَا) يَمْلِكُ الْوَلِيُّ تَوْكِيلًا فِي تَزْوِيجِ مُوَلِّيَتِهِ (إنْ وَكَّلَتْ) هِيَ (غَيْرَهُ) أَيْ: غَيْرَ وَلِيِّهَا، كَمَا لَوْ وَكَّلَتْ مَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ (وَلَوْ) كَانَ تَوْكِيلُهَا لِلْبَعِيدِ (بِإِذْنِهِ) أَيْ: وَلِيِّهَا، فَلَوْ وَكَّلَ فِي هَذِهِ الْحَالِ؛ لَمْ يَصِحَّ تَوْكِيلُهُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ صَحَّ بِدُونِ إذْنِهَا، لَكِنَّ صِحَّةَ تَصَرُّفِ وَكِيلِ الْوَلِيِّ مَوْقُوفَةٌ عَلَى اسْتِئْذَانِهَا، وَقَدْ سَبَقَ صُدُورُ الْإِذْنِ مِنْهَا لِغَيْرِهِ؛ فَلَمْ يَصِحَّ تَوْكِيلُهُ لِذَلِكَ. (وَيَثْبُتُ لِوَكِيلِ) وَلِيٍّ (مَا) يَثْبُتُ (لِوَلِيٍّ مِنْ إجْبَارٍ وَغَيْرِهِ)، فَإِنْ كَانَ لِلْوَلِيِّ الْإِجْبَارُ ثَبَتَ ذَلِكَ لِوَكِيلِهِ، وَإِنْ كَانَتْ وِلَايَتُهُ وِلَايَةَ مُرَاجَعَةٍ احْتَاجَ الْوَكِيلُ إلَى مُرَاجَعَةِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ فَيَثْبُتُ لَهُ مِثْلُ مَا يَثْبُتُ لِلْمَنُوبِ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي السُّلْطَانِ وَالْحَاكِمِ يَأْذَنُ لِغَيْرِهِ فِي التَّزْوِيجِ، فَيَكُونُ الْمَأْذُونُ لَهُ قَائِمًا مَقَامَهُ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يَثْبُتُ لِوَكِيلِ الْوَلِيِّ مَا يَثْبُتُ لِمُوَكِّلِهِ (كَعَدَالَةٍ)؛ لِأَنَّهَا مُشْتَرَطَةٌ فِي الْوَلِيِّ؛ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُوجِبَ الْوَكِيلُ نِكَاحًا عَمَّنْ لَا يَصِحُّ مِنْهُ إيجَابُهُ لِمُوَلِّيَتِهِ، لِنَحْوِ جُنُونٍ (وَفِسْقٍ)؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ؛ فَلَأَنْ لَا يَجُوزَ بِالنِّيَابَةِ عَنْهُ أَوْلَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ إذْنِ) امْرَأَةٍ (غَيْرِ مُجْبَرَةٍ لِوَكِيلِ) وَلِيِّهَا؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ غَيْرِ مُجْبِرٍ، فَيَثْبُتُ لَهُ مَا يَثْبُتُ لِمَنْ يَنُوبُ عَنْهُ (فَلَا يَكْفِي إذْنُهَا لِوَلِيِّهَا بِتَزْوِيجٍ) مِنْ غَيْرِ مُرَاجَعَةِ وَكِيلٍ لَهَا وَإِذْنُهَا لَهُ بَعْدَ تَوْكِيلِهِ (أَوْ) أَيْ: وَلَا يَكْفِي إذْنُهَا لِوَلِيِّهَا (بِتَوْكِيلٍ فِيهِ) أَيْ: التَّزْوِيجِ (بِلَا مُرَاجَعَةِ وَكِيلٍ لَهَا) أَيْ: لِغَيْرِ الْمُجْبَرَةِ فِي التَّزْوِيجِ (وَإِذْنُهَا) لِلْوَكِيلِ فِي التَّزْوِيجِ (بَعْدَ تَوْكِيلِهِ)؛ لِأَنَّ الَّذِي يُعْتَبَرُ إذْنُهَا فِيهِ لِلْوَكِيلِ هُوَ غَيْرُ مَا يُوَكِّلُ فِيهِ الْمُوَكِّلُ؛ فَهُوَ كَالْمُوَكَّلِ فِي ذَلِكَ، وَلَا أَثَرَ لِإِذْنِهَا لَهُ قَبْلَ أَنْ يُوَكِّلَ الْوَلِيُّ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ وَبَعْدَ تَوَكُّلِهِ كَوَلِيٍّ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: فَيُؤْخَذُ مِنْهُ لَوْ أَذِنَتْ لِلْأَبْعَدِ أَنْ يُزَوِّجَهَا مَعَ أَهْلِيَّةِ الْأَقْرَبِ، ثُمَّ انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاجَعَتِهِ لَهَا بَعْدَ انْتِقَالِ الْوِلَايَةِ. (فَلَوْ وَكَّلَ وَلِيُّ) غَيْرِ مُجْبَرَةٍ فِي تَزْوِيجِهَا (بِلَا إذْنِهَا ثُمَّ أَذِنَتْ لِوَكِيلِهِ) أَيْ: وَكِيلِ وَلِيِّهَا فِي تَزْوِيجِهَا، فَزَوَّجَهَا (صَحَّ) النِّكَاحُ وَلَوْ لَمْ تَأْذَنْ لِلْوَلِيِّ فِي التَّزْوِيجِ أَوْ التَّوْكِيلِ، لِقِيَامِ وَكِيلِهِ مَقَامَهُ (وَيُشْتَرَطُ فِي وَكِيلِ وَلِيٍّ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ) أَيْ: الْوَلِيِّ، مِنْ ذُكُورَةٍ وَبُلُوغٍ وَعَقْلٍ وَعَدَالَةٍ وَرُشْدٍ وَغَيْرِهَا، لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُبَاشِرَهَا غَيْرُ أَهْلِهَا، وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْلِكْ تَزْوِيجَ مُوَلِّيَتِهِ أَصَالَةً فَلِئَلَّا يَمْلِكَ تَزْوِيجَ مُوَلِّيَةِ غَيْرِهِ بِالتَّوْكِيلِ أَوْلَى. (وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ فَاسِقٍ) فِي قَبُولِ نِكَاحٍ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ قَبُولُهُ لِنَفْسِهِ، فَصَحَّ لِغَيْرِهِ (وَكَذَا كِتَابِيٌّ) وَكَّلَهُ مُسْلِمٌ (فِي قَبُولِ) نِكَاحِ (كِتَابِيَّةٍ) لِصِحَّةِ قَبُولِ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ. (وَيَصِحُّ تَوْكِيلٌ) مِنْ وَلِيٍّ فِي إيجَابِ النِّكَاحِ تَوْكِيلًا (مُطْلَقًا) وَيَصِحُّ إذْنُهَا لِوَلِيِّهَا فِي الْعَقْدِ إذْنًا مُطْلَقًا؛ كَقَوْلِهَا لِوَلِيِّهَا: زَوِّجْ مَنْ شِئْت أَوْ مَنْ تَرْضَاهُ، وَقَوْلُ وَلِيٍّ لِوَكِيلِهِ (زَوِّجْ مَنْ شِئْت) أَوْ مَنْ تَرْضَاهُ، رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ تَرَكَ ابْنَتَهُ عِنْدَ عُمَرَ، وَقَالَ: إذَا وَجَدْت كُفْئًا فَزَوِّجْهُ وَلَوْ بِشِرَاكِ نَعْلِهِ، فَزَوَّجَهَا عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ؛ فَهِيَ أُمُّ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ، فَلَمْ يُنْكَرْ، وَكَالتَّوْكِيلِ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ (وَيَتَقَيَّدُ) الْوَلِيُّ إذَا أَذِنَتْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا، وَأَطْلَقَتْ بِالْكُفْءِ؛ وَكَذَلِكَ وَكِيلُهُ الْمُطْلَقُ يَتَقَيَّدُ (بِالْكُفْءِ) وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يُحْمَلُ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ فِيهِ. (وَلَا يَمْلِكُ) وَكِيلٌ بِالتَّوْكِيلِ الْمُطْلَقِ (أَنْ يُزَوِّجَهَا لِنَفْسِهِ) كَالْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ لَا يَبِيعُ لِنَفْسِهِ، وَكَذَا الْوَلِيُّ، إذَا أَذِنَتْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَأَطْلَقَتْ، فَلَا يَمْلِكُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، لِأَنَّ إطْلَاقَ الْإِذْنِ يَقْتَضِي تَزْوِيجَهَا غَيْرَهُ. قَطَعَ بِهِ فِي الشَّرْحِ وَالْمُبْدِعِ فِي آخِرِ تَوَلِّي طَرَفَيْ الْعَقْدِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. (وَيَجُوزُ) لِلْوَكِيلِ الْمُطْلَقِ وَلِلْوَلِيِّ إذَا أَذِنَتْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا، وَأَطْلَقَتْ أَنْ يُزَوِّجَهَا (لِوَلَدِهِ) وَوَالِدِهِ وَأَخِيهِ وَنَحْوِهِمْ إذَا كَانَ كُفْئًا؛ لِتَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَهُمْ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَبِيعُ لِمَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ، لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ رُكْنٌ فِي الْبَيْعِ، بِخِلَافِ الصَّدَاقِ.
(وَ) يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ (مُقَيَّدًا كَزَوِّجْ زَيْدًا) أَوْ زَوِّجْ هَذَا، فَلَا يُزَوِّجُ غَيْرَهُ؛ لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ (وَ) إنْ قَالَ وَلِيٌّ لِوَكِيلِهِ (زَوِّجْ) مِنْ وَكِيلِ خَاطِبِ بِنْتِي زَيْدًا، أَوْ مِنْ أَحَدِ وَكِيلِيهِ. (أَوْ) قَالَ خَاطِبٌ لِوَكِيلِهِ فِي قَبُولِ نِكَاحٍ (اقْبَلْ) النِّكَاحَ (مِنْ وَكِيلِهِ) أَيْ: وَكِيلِ وَلِيِّ الْمَخْطُوبَةِ (زَيْدًا وَ) قَالَ خَاطِبٌ لِوَكِيلٍ: اقْبَلْ مِنْ (أَحَدِ وَكِيلَيْهِ) وَأَبْهَمَ، وَلَهُ وَكِيلَانِ زَيْدٌ وَعَمْرٌو، فَزَوَّجَ وَكِيلُ وَلِيٍّ مِنْ وَكِيلِ زَوْجٍ عَمْرٍو فِي الْأُولَيَيْنِ؛ لَمْ يَصِحَّ (أَوْ قَبِلَ) وَكِيلُ الزَّوْجِ النِّكَاحَ (مِنْ وَكِيلِهِ) أَيْ الْوَلِيِّ (عَمْرو) فِي الْأُخْرَيَيْنِ (لَمْ يَصِحَّ) النِّكَاحُ؛ لِلْمُخَالَفَةِ فِيمَا إذَا قَالَ: مِنْ وَكِيلِهِ زَيْدٍ، وَلِلْإِبْهَامِ فِيمَا إذَا قَالَ: مِنْ أَحَدِ وَكِيلِيهِ. (وَيُشْتَرَطُ) لِنِكَاحٍ فِيهِ تَوْكِيلٌ وَقَبُولٌ (قَوْلُ وَلِيٍّ) لِوَكِيلٍ: زَوِّجْ (أَوْ قَوْلُ وَكِيلِهِ) أَيْ الْوَلِيِّ (لِوَكِيلِ زَوْجٍ: زَوَّجْت فُلَانَةَ) بِنْتَ فُلَانٍ (فُلَانًا) ابْنَ فُلَانٍ، وَيَنْسُبُهُ وَلَمْ يُنَبِّهْ، عَلَى ذَلِكَ هُنَا لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا سَبَقَ اشْتِرَاطُ تَعْيِينِ الزَّوْجَيْنِ، (أَوْ) زَوَّجْت فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ (لِفُلَانٍ) ابْنِ فُلَانٍ، أَوْ يَقُولُ وَلِيٌّ (أَوْ) وَكِيلُهُ (زَوَّجْت مُوَكِّلَك فُلَانًا فُلَانَةَ) بِنْتَ فُلَانٍ، وَلَا يَقُولُ زَوَّجْتُكَهَا وَنَحْوَهُ كَزَوَّجْتهَا مِنْك أَوْ أَنْكَحْتهَا.
(وَ) يُشْتَرَطُ (قَوْلُ وَكِيلِ زَوْجٍ: قَبِلْته) أَيْ النِّكَاحَ (لِمُوَكَّلِي فُلَانٍ أَوْ) قَبِلْته (لِفُلَانٍ) ابْنِ فُلَانٍ، فَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ؛ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ. (وَيَتَّجِهُ صِحَّةُ مَا مَرَّ) تَمْثِيلُهُ مُقَيَّدًا (فِيمَا لَوْ) قَالَ مُوجِبُ النِّكَاحِ غَيْرُ الْأَبِ، زَوَّجْت فُلَانَةَ فُلَانًا أَوْ لِفُلَانٍ وَ(سَمَّاهَا بِاسْمِهَا) الَّذِي تَتَمَيَّزُ بِهِ عَنْ غَيْرِهَا، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَقُولَ: مُوَكِّلِي اكْتِفَاءً بِالتَّعْيِينِ، أَمَّا لَوْ كَانَ الْمُوجِبُ الْأَبَ، فَقَالَ: زَوَّجْتُك فُلَانَةَ (وَلَمْ يَقُلْ بِنْتِي) لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُشَارِكُهَا غَيْرُهَا بِمَا سَمَّاهَا؛ فَلَمْ يَصِحَّ لِذَلِكَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَوَصِيُّ وَلِيٌّ أَبٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَأَخٍ وَعَمٍّ لِغَيْرِ أُمٍّ (فِي) إيجَابِ (نِكَاحٍ) وَقَبُولِهِ (بِمَنْزِلَتِهِ) أَيْ: الْمُوصِي، لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ، فَتُسْتَفَادُ وِلَايَةُ النِّكَاحِ بِالْوَصِيَّةِ (إذَا نَصَّ) الْمُوصِي (لَهُ) أَيْ: الْوَصِيِّ (عَلَيْهِ) أَيْ: التَّزْوِيجِ؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ ثَابِتَةٌ لِلْوَلِيِّ فَجَازَتْ وَصِيَّتُهُ بِهَا كَوِلَايَةِ الْمَالِ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهَا فِي حَيَاتِهِ، وَيَكُونُ نَائِبُهُ قَائِمًا مَقَامَهُ، فَجَازَ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهَا بَعْدَ مَوْتِهِ كَقَوْلِ وَصِيٍّ لِمُوصٍ إلَيْهِ: (جَعَلْتُك وَصِيًّا فِي نِكَاحِ بَنَاتِي أَوْ وَصَّيْت إلَيْك بِنِكَاحِهِنَّ) كَمَا يَقُولُ فِي الْمَالِ: وَصَّيْت إلَيْك بِالنَّظَرِ فِي أَمْوَالِ أَوْلَادِي، فَيَقُومُ الْوَصِيُّ مَقَامَهُ، وَيَتَقَدَّمُ عَلَى مَنْ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ مَنْ أَوْصَاهُ (فَيُجْبِرُ وَصِيٌّ مَنْ يُجْبِرُهُ مُوصٍ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى) لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ سَوَاءٌ عَيَّنَ لَهُ الزَّوْجَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ التَّزْوِيجَ إذَا عَيَّنَ لَهُ الزَّوْجُ مِلْكَهُ مَعَ الْإِطْلَاقِ، وَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ لَيْسَ مُجْبِرًا كَأَبِي ثَيِّبٍ تَمَّ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ وَأَخِيهَا وَعَمِّهَا وَنَحْوِهِ مِمَّنْ يَحْتَاجُ إلَى إذْنِهَا؛ فَوَصِيُّهُ كَذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى إذْنِهَا كَوَكِيلِهِ (وَلَا خِيَارَ) لِمَنْ زَوَّجَهُ الْوَلِيُّ صَغِيرًا مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى (بِبُلُوغٍ) لِقِيَامِ الْوَصِيِّ مَقَامَ الْمُوصِي، فَلَمْ: يَثْبُتْ فِي تَزْوِيجِهِ خِيَارٌ كَالْوَكِيلِ (وَوَصِيٌّ فِي مَالٍ يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْإِمَاءِ نَصًّا)؛ لِأَنَّهُنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْمَالِ الَّذِي يَنْظُرُ فِيهِ، وَكَذَا إذَا وَصَّى إلَيْهِ بِالنَّظَرِ فِي أَمْرِ أَوْلَادِهِ لَمْ يَمْلِكْ تَزْوِيجَ أَحَدِهِمْ. (وَعَبْدٌ وَفَاسِقٌ وَمُمَيِّزٌ) لَا تَثْبُتُ لَهُمْ وِلَايَةٌ عَلَى غَيْرِهِمْ فَ (لَا يُوَكَّلُونَ) مِنْ قِبَلِ وَلِيٍّ فِي إيجَابِ نِكَاحِ مُوَلِّيَتِهِ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَصِحَّ مِنْهُمْ نِكَاحُ، مُوَلِّيَتِهِمْ فَمُوَلِّيَةُ غَيْرِهِمْ أَوْلَى (وَيَصِحُّ) أَنْ يَتَوَكَّلُوا عَنْ الزَّوْجِ فِي (قَبُولِهِ) أَيْ: النِّكَاحِ؛ لِصِحَّةِ قَبُولِهِ لِأَنْفُسِهِمْ، فَصَحَّ لِغَيْرِهِمْ وَتَقَدَّمَ.

.فَصْلٌ: [فيما لو اسْتَوَى وَلِيَّانِ فَأَكْثَرَ لِامْرَأَةٍ فِي دَرَجَةٍ]:

(وَإِنْ اسْتَوَى وَلِيَّانِ فَأَكْثَرَ) لِامْرَأَةٍ فِي دَرَجَةٍ كَإِخْوَةٍ كُلُّهُمْ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ بَنِي إخْوَةٍ كَذَلِكَ، أَوْ أَعْمَامٍ أَوْ بَنِيهِمْ كَذَلِكَ، فَإِنْ أَذِنَتْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ، تَعَيَّنَ، وَلَمْ يَصِحَّ نِكَاحُ غَيْرِهِ، وَإِنْ أَذِنَتْ لَهُمْ كُلِّهِمْ (صَحَّ التَّزْوِيجُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ)؛ لِوُجُودِ سَبَبِ الْوِلَايَةِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (وَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ أَفْضَلِ) الْمُسْتَوِينَ فِي الدَّرَجَةِ عِلْمًا وَدَيْنًا لِيُزَوِّجَ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْفَضْلِ (فَأَسَنُّ) لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ إلَيْهِ مُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَكَانَ أَصْغَرَهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَبِّرْ كَبِّرْ أَيْ: قَدِّمْ الْأَكْبَرَ، فَتَقَدَّمَ حُوَيِّصَةُ»، وَلِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِلْعَقْدِ فِي اجْتِمَاعِ شُرُوطِهِ وَالنَّظَرِ فِي الْأَحَظِّ (وَإِنْ تَشَاحُّوا) أَيْ: الْأَوْلِيَاءُ الْمُسْتَوُونَ فِي الدَّرَجَةِ، فَطَلَبَ كُلٌّ مِنْهُمْ أَنْ يُزَوِّجَ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ اسْتَوَوْا فِي الْحَقِّ، وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ (فَإِنْ سَبَقَ غَيْرُ مَنْ قُرِعَ) أَيْ: مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ (فَزَوَّجَ وَقَدْ أَذِنَتْ لَهُمْ) أَيْ: لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (صَحَّ) التَّزْوِيجُ، لِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْ وَلِيٍّ كَامِلِ الْوِلَايَةِ بِإِذْنِ مُوَلِّيَتِهِ، فَصَحَّ مِنْهُ كَمَا لَوْ انْفَرَدَ بِالْوِلَايَةِ، وَلِأَنَّ الْقُرْعَةَ إنَّمَا شُرِعَتْ لِإِزَالَةِ الْمُشَاحَّةِ، وَإِلَّا تَأْذَنْ لَهُمْ، بَلْ لِبَعْضِهِمْ (تَعَيَّنَ مَنْ أَذِنَتْ لَهُ) فَيُزَوِّجُهَا دُونَ غَيْرِهِ إنْ لَمْ يَكُونُوا مُجْبِرِينَ، كَأَوْصِيَاءِ بِكْرٍ جَعَلَ أَبُوهَا لِكُلٍّ مِنْهُمْ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ، فَأَيُّهُمْ عَقَدَ صَحَّ. وَمَنْ أُلْحِقَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ أَبٍ لَا يَصِحُّ تَزْوِيجُهَا إلَّا مِنْهُمْ كَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ. (وَإِنْ عَقَدَ وَلِيَّانِ) مُسْتَوِيَانِ فِي الدَّرَجَةِ نِكَاحَ مُوَلِّيَتِهِمَا (لِاثْنَيْنِ) كَأَنْ زَوَّجَهَا أَحَدُهُمَا لِزَيْدٍ، وَالْآخَرُ لِعَمْرٍو (وَجُهِلَ السَّبْقُ) مُطْلَقًا بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ هَلْ وَقَعَا مَعًا أَوْ وَاحِدًا بَعْدَ آخَرَ؟ فَسَخَهُمَا حَاكِمٌ (أَوْ عُلِمَ سَابِقٌ) مِنْهُمَا (ثُمَّ نُسِيَ) السَّابِقُ، فَسَخَهُمَا حَاكِمٌ (أَوْ عُلِمَ السَّبْقُ) لِأَحَدِ الْعَقْدَيْنِ عَلَى الْآخَرِ (وَجُهِلَ السَّابِقُ) مِنْهُمَا (فَسَخَهُمَا حَاكِمٌ) نَصًّا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا صَحِيحٌ، وَلَا طَرِيقَ لِلْعِلْمِ بِهِ، وَلَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ. وَإِنْ طَلَّقَا لَمْ يُحْتَجْ إلَى الْفَسْخِ، فَإِنْ عَقَدَ عَلَيْهَا أَحَدُهُمَا بَعْدُ؛ لَمْ يَنْقُصْ بِهَذَا الطَّلَاقِ عَدَدٌ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِهِ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِسَبْقٍ لِأَحَدِهِمَا؛ لَمْ يُقْبَلْ نَصًّا (وَإِنْ عُلِمَ وُقُوعُهُمَا) أَيْ: الْعَقْدَيْنِ (مَعًا) فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ (بَطَلَا) أَيْ فَهُمَا بَاطِلَانِ مِنْ أَصْلِهِمَا لَا يَحْتَاجَانِ إلَى فَسْخٍ، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ تَصْحِيحَهُمَا، وَلَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَلَا تَوَارُثَ فِيهِمَا (وَلَهَا) أَيْ: الَّتِي زَوَّجَهَا وَلِيَّاهَا لِاثْنَيْنِ، وَلَمْ يُعْلَمْ السَّابِقُ بِعَيْنِهِ (فِي غَيْرِ هَذِهِ) الصُّورَةِ، وَهِيَ مَا إذَا عُلِمَ وُقُوعُهُمَا مَعًا (نِصْفُ الْمَهْرِ) عَلَى أَحَدِهِمَا (بِقُرْعَةٍ) بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، فَمَنْ خَرَجْت عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ؛ أَخَذَتْ مِنْهُ نِصْفَ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ عَقْدَ أَحَدِهِمَا صَحِيحٌ، وَقَدْ انْفَسَخَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ، وَأَمَّا إذَا عُلِمَ وُقُوعُهُمَا مَعًا، فَلَا شَيْءَ لَهَا عَلَيْهِمَا (وَإِنْ مَاتَتْ) فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ قَبْلَ فَسْخِ الْحَاكِمِ نِكَاحَهُمَا (فَلِأَحَدِهِمَا نِصْفُ مِيرَاثِهَا) إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ (بِقُرْعَةٍ) فَيَأْخُذُ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ (بِلَا يَمِينٍ) لِأَنَّهُ: يَقُولُ: لَا أَعْرِفُ الْحَالَ. (وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجَانِ) أَيْ: الْعَاقِدَانِ عَلَى امْرَأَةٍ، وَجُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا (فَإِنْ كَانَتْ أَقَرَّتْ بِسَبَقٍ لِأَحَدِهِمَا فَلَا إرْثَ لَهَا مِنْ الْآخَرِ) لِأَنَّهَا مُقِرَّةٌ بِبُطْلَانِ نِكَاحِهِ لِتَأَخُّرِهِ (وَهِيَ تَدَّعِي مِيرَاثَهَا مِمَّنْ أَقَرَّتْ لَهُ) بِالسَّبْقِ؛ لِتَضَمُّنِهِ صِحَّةَ نِكَاحِهِ (فَإِنْ كَانَ ادَّعَى ذَلِكَ) أَيْ: السَّبْقَ (أَيْضًا) قَبْلَ مَوْتِهِ (دَفَعَ إلَيْهَا) إرْثَهَا مِنْهُ (وَإِلَّا) يَكُنْ ادَّعَى ذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِهِ؛ (فَلَا) يُدْفَعُ إلَيْهَا شَيْءٌ (إنْ أَنْكَرَ وَرَثَتُهُ) سَبْقَهُ (وَحَلَفُوا) أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ السَّابِقُ، فَإِنْ نَكَلُوا قُضِيَ عَلَيْهِمْ (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ أَقَرَّتْ بِسَبْقٍ لِأَحَدِهِمَا وَرِثَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا بِقُرْعَةٍ) بِأَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا فَمَنْ خَرَجَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ فَلَهَا إرْثُهَا مِنْهُ، وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ فَهِيَ الَّتِي تَرِثُهُ.
تَنْبِيهٌ:
وَإِنْ عُلِمَ السَّابِقُ مِنْهُمَا فَالنِّكَاحُ لَهُ، وَعَقْدُ الثَّانِي بَاطِلٌ؛ لِحَدِيثِ سَمُرَةَ وَعُقْبَةَ مَرْفُوعًا: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ فَهِيَ لِلْأَوَّلِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد فَإِنْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا ذَاتُ زَوْجٍ، فُرِّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِبُطْلَانِ نِكَاحِهِ، فَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ؛ فَهُوَ وَطْءُ شُبْهَةٍ يَجِبُ لَهَا بِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَتُرَدُّ لِلْأَوَّلِ، لِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ، وَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْ وَطْءِ الثَّانِي، لِتُعْلَمَ بَرَاءَةُ رَحِمِهَا مِنْهُ، وَلَا يَرُدُّ الصَّدَاقَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ الدَّاخِلِ بِهَا عَلَى الْأَوَّلِ الَّذِي دُفِعَتْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي بُضْعِهَا، فَلَا يَمْلِكُ عِوَضَهُ بِخِلَافِ مَنْفَعَةِ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ؛ فَإِنَّهَا مِلْكُ الْمُسْتَأْجِرِ يَتَصَرَّفُ فِيهَا، فَعِوَضُهَا لَهُ، وَلَا يَحْتَاجُ النِّكَاحُ الثَّانِي إلَى فَسْخٍ؛ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ، فَلَا يَجِبُ لَهَا الْمَهْرُ إلَّا بِالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ دُونَ الْخَلْوَةِ وَالْمُفَاخَذَةِ، لِأَنَّهُ نِكَاحٌ بَاطِلٌ، فَلَا حُكْمَ لَهُ. (وَلَوْ ادَّعَى كُلُّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا (السَّبْقَ، فَأَقَرَّتْ بِهِ لِأَحَدِهِمَا) فَلَا أَثَرَ لَهُ كَمَا سَبَقَ (ثُمَّ إذَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) بِأَنْ فَسَخَ الْحَاكِمُ نِكَاحَهُمَا، أَوْ طَلَّقَاهَا (فَالْمَهْرُ) بَعْدَ الدُّخُولِ وَقَبْلِهِ نِصْفُهُ (عَلَى الْمَقَرِّ لَهُ) لِاعْتِرَافِهِ بِهِ لَهَا، وَتَصْدِيقِهَا لَهُ عَلَيْهِ (وَإِنْ مَاتَ وَرِثَتْهُ) أَيْ: الْمَقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى إقْرَارِهِمَا (فَقَطْ) أَيْ: دُونَ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهَا تَدَّعِي بُطْلَانَ نِكَاحِهِ لِتَأَخُّرِهِ (وَإِنْ مَاتَتْ) مَنْ أَقَرَّتْ لِأَحَدِهِمَا بِالسَّبْقِ، وَصَدَّقَهَا (قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ الْفَسْخِ وَالطَّلَاقِ (فَفِي إرْثِهِ إيَّاهَا احْتِمَالَانِ) أَحَدُهُمَا: لِأَحَدِهِمَا نِصْفُ الْمِيرَاثِ يَقِفُ حَتَّى يَصْطَلِحَا عَلَيْهِ، وَالثَّانِي: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ قُرِعَ حَلَفَ أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ، وَوَرِثَ، وَهَذَانِ الِاحْتِمَالَانِ لِأَبِي مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيِّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ فَقَالَا: وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَهُمَا احْتَمَلَ أَنْ يَرِثَهَا الْمَقَرُّ لَهُ، وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهَا لَهُ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ: قُلْت: كِلَا الْوَجْهَيْنِ لَا يُخَرَّجُ عَلَى الْمَذْهَبِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّا لَا نَقِفُ بِالْخُصُومَاتِ قَطُّ. وَأَمَّا الثَّانِي فَكَيْفَ يَحْلِفُ مَنْ قَالَ: لَا أَعْرِفُ الْحَالَ؟ وَإِنَّمَا الْمَذْهَبُ عَلَى رِوَايَةِ الْقُرْعَةِ أَنَّهُ أَيُّهُمَا قُرِعَ فَلَهُ الْمِيرَاثُ بِلَا يَمِينٍ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ فِي رَجُلٍ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ، زَوَّجَ إحْدَاهُنَّ مِنْ رَجُلٍ، ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ، وَلَمْ يُعْلَمْ أَيَّتَهُنَّ زَوَّجَ، يُقْرَعُ، فَأَيَّتَهُنَّ أَصَابَتْهَا الْقُرْعَةُ؛ فَهِيَ زَوْجَتُهُ، وَقَدْ كَتَبْنَاهَا. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِنَا: لَا يُقْرَعُ، فَإِذَا قُلْنَا: إنَّهَا تَأْخُذُ مِنْ أَحَدِهِمَا نِصْفَ الْمَهْرِ بِالْقُرْعَةِ؛ فَكَذَلِكَ يَرِثُهَا أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَإِنْ قُلْنَا: لَا مَهْرَ فَهُنَا قَدْ يُقَالُ بِالْقُرْعَةِ أَيْضًا. انْتَهَى.
(وَإِنْ لَمْ تُقِرَّ لِأَحَدِهِمَا) بِالسَّبْقِ (إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَكَ) مَا لَوْ أَقَرَّتْ لَهُ فِي (حَيَاتِهِ) أَيْ: فَلَا أَثَرَ لِإِقْرَارِهَا، وَلَا إرْثَ لَهَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَيْسَ لِوَرَثَةِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْإِنْكَارُ لِاسْتِحْقَاقِهَا، لِأَنَّهُ ظُلْمٌ لَهَا. (وَمَنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ بِأَمَتِهِ) صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً، صَحَّ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ بِلَا نِزَاعٍ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ بِحُكْمِ الْمِلْكِ لَا بِحُكْمِ الْإِذْنِ، (أَوْ) زَوَّجَ (ابْنَهُ) الصَّغِيرَ (بِبِنْتِ أَخِيهِ) صَحَّ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ (أَوْ) زَوَّجَ (وَصِيٌّ فِي نِكَاحٍ صَغِيرًا) تَحْتَ حِجْرِهِ (بِصَغِيرَةٍ تَحْتَ حِجْرِهِ، صَحَّ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ، وَكَذَا وَلِيُّ امْرَأَةٍ عَاقِلَةٍ) لَهَا تَمَّ تِسْعُ سِنِينَ (تَحِلُّ لَهُ كَابْنِ عَمٍّ وَمَوْلًى وَحَاكِمٍ إذَا أَذِنَتْ لَهُ) بِنْتُ عَمِّهِ أَوْ عَتِيقَتُهُ أَوْ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا فِي تَزْوِيجِهَا، فَيَصِحُّ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ؛ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ لِأُمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ قَارِظٍ أَتَجْعَلِينَ أَمْرَك إلَيَّ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: قَدْ تَزَوَّجْتُك. وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ؛ فَجَازَ أَنْ يَتَوَلَّاهُمَا، كَمَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ وُجِدَ فِيهِ الْإِيجَابُ مِنْ وَلِيٍّ ثَابِتِ الْوِلَايَةِ، وَالْقَبُولُ مِنْ زَوْجٍ هُوَ أَهْلٌ لِلْقَبُولِ، فَصَحَّ كَمَا لَوْ وُجِدَ مِنْ رَجُلَيْنِ. (أَوْ وَكَّلَ زَوْجٌ وَلِيًّا) فِي قَبُولِ نِكَاحِ مَخْطُوبَتِهِ، صَحَّ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْوَلِيِّ الْعَقْدَ (أَوْ عَكْسَهُ) بِأَنْ وَكَّلَ الْوَلِيُّ الزَّوْجَ فِي إيجَابِ النِّكَاحِ لِنَفْسِهِ، فَيَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ (أَوْ وَكَّلَا) أَيْ: الزَّوْجُ وَالْوَلِيُّ رَجُلًا (وَاحِدًا) بِأَنْ وَكَّلَهُ الْوَلِيُّ فِي الْإِيجَابِ، وَالزَّوْجُ فِي الْقَبُولِ؛ فَلَهُ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ لَهُمَا (وَنَحْوَهُ) كَمَا لَوْ أَذِنَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ الْكَبِيرِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَتَهُ؛ صَحَّ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ، وَكَذَا الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ وَنَحْوُهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي تَوَلِّي طَرَفَيْ الْعَقْدِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، بَلْ يَكْفِي (زَوَّجْت فُلَانًا) وَيَنْسُبُهُ (فُلَانَةَ) وَيَنْسُبُهَا بِمَا تَتَمَيَّزُ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ: وَقَبِلْت لَهُ نِكَاحَهَا (أَوْ) يَقُولُ (تَزَوَّجْتهَا إنْ كَانَ هُوَ الزَّوْجُ) مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ: قَبِلْت نِكَاحَهَا لِنَفْسِي؛ لِأَنَّ إيجَابَهُ يَتَضَمَّنُ الْقَبُولَ (أَوْ كَانَ وَكِيلُهُ) أَيْ: الزَّوْجِ؛ فَيَصِحُّ قَوْلُهُ تَزَوَّجْتهَا (لَكِنْ) لَا بُدَّ أَنْ (يَقُولَ: لِمُوَكَّلِي) فُلَانٍ أَوْ لِفُلَانٍ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: وَقَبِلْت نِكَاحَهَا (إلَّا بِنْتَ عَمِّهِ وَعَتِيقَتَيْهِ الْمَجْنُونَتَيْنِ) فَلَا يَكْفِيهِ تَوَلِّي طَرَفَيْ الْعَقْدِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا (فَيُشْتَرَطُ) لِصِحَّةِ إنْكَاحِهَا (لَهُ وَلِيٌّ غَيْرُهُ) إنْ كَانَ، وَلَوْ أَبْعَدَ مِنْهُ (أَوْ حَاكِمٌ) إنْ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ إنَّمَا جُعِلَ لِلنَّظَرِ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِ وَالِاحْتِيَاطِ لَهُ؛ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ لِنَفْسِهِ فِيمَا هُوَ مَوْلًى عَلَيْهِ لِإِمْكَانِ التُّهْمَةِ؛ كَالْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ لَا يَبِيعُهُ لِنَفْسِهِ.

.فَصْلٌ: [السيدُ يَنكحُ أَمَتَهُ]:

(وَمَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ الَّتِي يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا لَوْ كَانَتْ حُرَّةً إذَنْ) أَيْ: وَقْتَ الْقَوْلِ (لِخُلُوِّهَا عَنْ نَحْوِ اسْتِبْرَاءٍ) كَإِحْرَامٍ.
(وَ) خُلُوِّهَا عَنْ (عِدَّةٍ) مِنْ الْغَيْرِ (وَعَنْ رَضَاعٍ) بِأَنْ لَمْ تَكُنْ أَرْضَعَتْهُ هِيَ أَوْ أُمُّهَا وَإِنْ عَلَتْ، أَوْ بِنْتُهَا وَإِنْ سَفَلَتْ أَوْ أُخْتُهَا وَلَا أَرْضَعَتْ أَبَاهُ وَلَا زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةَ؛ فَتَدْخُلُ الْكِتَابِيَّةُ الَّتِي أَبَوَاهَا كِتَابِيَّانِ، وَتَخْرُجُ الْمَجُوسِيَّةُ وَالْوَثَنِيَّةُ مَعَ مَا ذُكِرَ مِنْ الَّتِي لَمْ تُسْتَبْرَأْ، وَالْمُحْرِمَةُ وَالْمُعْتَدَّةُ، وَالْمُحَرَّمَةُ عَلَيْهِ بِرَضَاعٍ. وَقَوْلُهُ: لَوْ كَانَتْ حُرَّةً؛ لِدَفْعِ اعْتِبَارِ عَدَمِ الطَّوْلِ وَخَوْفِ الْعَنَتِ الْمُعْتَبَرِ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ (مِنْ) بَيَانٌ لِأَمَتِهِ (قِنٍّ وَمُدَبَّرَةٍ وَمُكَاتَبَةٍ وَمُعَلَّقٍ عِتْقُهَا بِصِفَةٍ أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ: أَعْتَقْتُك وَجَعَلْت عِتْقَك صَدَاقَك، أَوْ قَالَ: جَعَلْت عِتْقَ أَمَتِي صَدَاقَهَا، أَوْ قَالَ: جَعَلْت صَدَاقَ أَمَتِي عِتْقَهَا) صَحَّ ذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ وَ) إنْ أَتَى السَّيِّدُ بِإِحْدَى هَاتَيْنِ الْجُمْلَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ (مَعَ تَعَدُّدِ) إمَائِهِ إذَا لَمْ يُفِضْ إلَى الزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعٍ (وَثَمَّ) أَيْ: هُنَاكَ (نِيَّةٌ) مِنْ إرَادَةِ تَعَدُّدٍ أَوْ لَا (عَمِلَ بِهَا) أَيْ: بِالنِّيَّةِ، وَصَحَّ الْعَقْدُ وَالنِّكَاحُ (وَإِلَّا) تَكُنْ نِيَّةٌ (احْتَمَلَ صِحَّتَهُ فِيهِنَّ) أَيْ: إمَائِهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ: قَوْلُهُ: أَمَتِي (مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ) جَمِيعَ إمَائِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ مَنْ مَعَهُ عَدَدٌ مِنْ الزَّوْجَاتِ: زَوْجَتِي طَالِقٌ، وَأَطْلَقَ، وَلَمْ يَنْوِ مُعَيَّنَةً؛ طَلَّقَ كُلَّ زَوْجَاتِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَتَقَدَّمَ فِي الْعِتْقِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ قَالَ: قَدْ أَعْتَقْتُهَا، وَجَعَلْت عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، أَوْ قَالَ: أَعْتَقْتهَا عَلَى أَنَّ عِتْقَهَا صَدَاقُهَا، أَوْ قَالَ: أَعْتِقُك عَلَى أَنْ أَتَزَوَّجَك وَعِتْقِي) صَدَاقُك (أَوْ عِتْقُك صَدَاقُك؛ صَحَّ) الْعِتْقُ وَالنِّكَاحُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ وَتَزَوَّجْتُك أَوْ) لَمْ يَقُلْ: وَ(تَزَوَّجْتهَا) لِتَضَمُّنِ قَوْلِهِ: وَجَعَلْت عِتْقَهَا وَنَحْوَهُ صَدَاقَهَا، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى أَنَسٌ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتَقَ صَفِيَّةَ، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَرَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ «صَفِيَّةَ قَالَتْ: أَعْتَقَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَ عِتْقِي صَدَاقِي». وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ أُمَّ وَلَدِهِ فَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا؛ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَفَعَلَهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى النِّكَاحِ لِيَصِحَّ، وَقَدْ شَرَطَهُ صَدَاقًا، فَتَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْعِتْقِ عَلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ لِيَكُونَ الْعِتْقُ صَدَاقًا فِيهِ، وَقَدْ ثَبَتَ الْعِتْقُ؛ فَيَصِحُّ النِّكَاحُ (إنْ كَانَ) الْكَلَامُ (مُتَّصِلًا حَقِيقَةً) بِأَنْ لَمْ يَسْكُتْ بَعْدَ قَوْلِهِ أَعْتَقْتُك سُكُوتًا يُمْكِنُهُ التَّكَلُّمُ فِيهِ، أَوْ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ، ثُمَّ يَقُولُ: وَجَعَلْت عِتْقَك صَدَاقَك، فَإِنْ فَعَلَ؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ بِالْعِتْقِ حُرَّةً، فَيَحْتَاجُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِرِضَاهَا بِصَدَاقٍ جَدِيدٍ، (أَوْ) كَانَ الْكَلَامُ مُتَّصِلًا (حُكْمًا) فَلَوْ قَالَ: أَعْتَقْتُك، ثُمَّ ذَرَعَهُ قَيْءٌ أَوْ سُعَالٌ أَوْ عُطَاسٌ، ثُمَّ قَالَ: وَجَعَلْت عِتْقَك صَدَاقَك؛ صَحَّ، وَلَا يُعَدُّ مَا نَابَهُ مِنْ ذَلِكَ فَاصِلًا، وَلَوْ طَالَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِاخْتِيَارِهِ، وَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا، وَمَحَلُّ الصِّحَّةِ إنْ كَانَ (بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ) نَصًّا؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ». ذَكَرَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ، (وَ) كَانَ حِينَهُ (قَصَدَ بِالْعِتْقِ جَعْلَهُ) أَيْ: الْعِتْقِ (صَدَاقًا) لِمَا فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ إذَا قَالَ: أَجْعَلُ عِتْقَك صَدَاقَك، أَوْ صَدَاقَك عِتْقَك، كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ. (وَيَصِحُّ جَعْلُ صَدَاقِ مَنْ بَعْضُهَا حُرٌّ، عِتْقُ الْبَعْضِ الْآخَرِ) إنْ أَذِنَتْ هِيَ، وَمُعْتِقُ الْبَقِيَّةِ عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: (وَيَتَّجِهُ) فِيمَنْ بَعْضُهَا حُرٌّ جَعْلُ ذَلِكَ (بِإِذْنِهَا) لِمَا فِيهَا مِنْ الْحُرِّيَّةِ (وَإِذْنُ مُعْتَقِهَا) لِمَا لَهُ مِنْ الْوَلَاءِ عَلَى الْجُزْءِ الَّذِي أَعْتَقَهُ، فَيَثْبُتُ الْعِتْقُ وَالنِّكَاحُ جَمِيعًا إذَا كَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ شُهُودٍ، سَوَاءٌ قُدِّمَ لَفْظُ الْعِتْقِ عَلَى الْعَقْدِ أَوْ لَفْظُ الْعَقْدِ عَلَى الْعِتْقِ إذَا كَانَ كَلَامًا مَوْصُولًا، وَلَا خِيَارَ لِلْأَمَةِ، وَلَا امْتِنَاعَ مِنْ التَّزْوِيجِ إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ بَانَتْ قَبْلَ دُخُولٍ) وَقَدْ جَعَلَ عِتْقَهَا أَوْ عِتْقَ بَعْضِهَا صَدَاقَهَا (رَجَعَ مُعْتَقُهَا) عَلَيْهَا (بِنِصْفِ قِيمَةِ مَا أَعْتَقَ) مِنْهَا نَصًّا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ يُوجِبُ الرُّجُوعَ فِي نِصْفِ مَا فَرَضَ لَهَا، وَقَدْ فَرَضَ لَهَا نَفْسَهَا، وَلَا سَبِيلَ إلَى الرُّجُوعِ فِي الرِّقِّ بَعْدَ زَوَالِهِ، فَرَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَةِ مَا أَعْتَقَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ صَدَاقُهَا (فَإِنْ فَسَخَتْ) هِيَ النِّكَاحُ كَأَنْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ، أَوْ أَرْضَعَتْ زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةَ، (فـَ) يَرْجِعُ عَلَيْهَا (بِكُلِّهِ) أَيْ: كُلِّ ثَمَنِهَا، وَيُعْتَبَرُ وَقْتُ الْإِعْتَاقِ، وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِعْطَاءِ إنْ كَانَتْ مَلِيئَةً (وَيُجْبِرُ عَلَى الِاسْتِسْعَاءِ) أَيْ: التَّكَسُّبِ (غَيْرَ مَلِيئَةٍ) لِتُعْطِيهِ أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهُ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ لَزِمَهُ دَيْنٌ مُسْتَقَرٌّ. (وَمَنْ أَعْتَقَهَا بِسُؤَالِهَا) عِتْقِهَا (عَلَى أَنْ تَنْكِحَهُ، أَوْ قَالَ) لَهَا مِنْ غَيْرِ سُؤَالِهَا (أَعْتَقْتُك عَلَى أَنْ تَنْكِحِينِي) وَيَكُونُ عِتْقُك صَدَاقَك، أَوْ قَالَ: عَلَى أَنْ تَنْكِحِينِي (فَقَطْ) دُونَ أَنْ يَقُولَ: وَيَكُونُ عِتْقُك صَدَاقَك (وَرَضِيَتْ، صَحَّ) الْعِتْقُ وَلَمْ يَلْزَمْهَا أَنْ تَتَزَوَّجَهُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ سَلَفًا فِي النِّكَاحِ فَلَمْ يَلْزَمْهَا، كَمَا لَوْ أَسْلَفَ حُرَّةً أَلْفًا عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا (ثُمَّ إنْ نَكَحَتْهُ) لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ مِلْكَهُ عَنْهَا بِشَرْطِ عِوَضٍ، وَقَدْ سُلِّمَ لَهُ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ (وَإِلَّا) تَنْكِحَهُ، (فَعَلَيْهَا قِيمَةُ مَا أَعْتَقَ) مِنْهَا، كُلًّا كَانَ أَوْ بَعْضًا، لِأَنَّهُ أَزَالَ مِلْكَهُ عَنْهَا بِشَرْطِ عِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ، فَاسْتَحَقَّ الرُّجُوعَ بِبَدَلِهِ، كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ بِيَدِ الْمُشْتَرِي، وَسَوَاءٌ امْتَنَعَتْ مِنْ تَزَوُّجِهِ أَوْ بَذَلَتْهُ، فَلَمْ يَتَزَوَّجْهَا هُوَ كَمَا فِي الشَّرْحِ وَالِاخْتِيَارَاتِ، وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ، لِأَنَّهُ وَقْتُ الْإِتْلَافِ.
(وَ) لَوْ قَالَ: (أَعْتَقْتُك وَزَوِّجِينِي نَفْسَك؛ عَتَقَتْ) لِتَنْجِيزِ عِتْقِهَا (وَلَمْ يَلْزَمْهَا أَنْ تَتَزَوَّجَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا) مِنْ قِيمَةِ نَفْسِهَا إذَا لَمْ تَتَزَوَّجْهُ؛ لِأَنَّهُ أَلْزَمَهَا بِمَا لَا يَلْزَمْهَا، وَلَمْ تَلْتَزِمْهُ. وَإِنْ قَالَ السَّيِّدُ لِأَمَتِهِ (زَوَّجْتُك لِزَيْدٍ، وَجَعَلْت عِتْقَك صَدَاقَك) وَنَحْوَهُ كَزَوَّجْتُ أَمَتِي لِزَيْدٍ، وَعِتْقُهَا صَدَاقُهَا؛ صَحَّ عَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ (أَعْتِقُك، وَزَوَّجْتُك لَهُ) أَيْ: لِزَيْدٍ (عَلَى أَلْفٍ وَقَبِلَ) زَيْدٌ النِّكَاحَ (فِيهِمَا) أَيْ: فِي الصُّورَتَيْنِ (صَحَّ) الْعِتْقُ وَالنِّكَاحُ، كَمَا لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ (أَعْتِقُك وَأَكْرَيْتُك مِنْهُ) أَيْ: مِنْ زَيْدٍ مَثَلًا (سَنَةً بِأَلْفٍ) فَيَصِحُّ الْعِتْقُ وَالْإِجَارَةُ إنْ قَبِلَهَا زَيْدٌ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ اسْتِثْنَاءِ الْخِدْمَةِ، وَلَوْ قَالَ: وَهَبْتُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَزَوَّجْتهَا مِنْ فُلَانٍ، أَوْ وَهَبْتُكهَا وَأَكْرَيْتُهَا مِنْ فُلَانٍ، أَوْ بِعْتُكهَا وَزَوَّجْتُهَا أَوْ أَكْرَيْتُهَا مِنْ فُلَانٍ؛ فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ صِحَّتُهُ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ لِلْمَنْفَعَةِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّا نُجَوِّزُ الْعِتْقَ وَالْوَقْفَ وَالْهِبَةَ وَالْبَيْعَ مَعَ اسْتِثْنَاءِ مَنْفَعَةِ الْخِدْمَةِ وَقَدْ جَوَّزْنَا أَنْ يَكُونَ الْإِعْتَاقُ وَالْإِنْكَاحُ بِمَنْزِلَةِ الْإِنْكَاحِ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ، لِأَنَّهَا حِينَ الْإِعْتَاقِ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ. ذَكَرَهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ (وَلَا بَأْسَ بِعِتْقِهِ) أَيْ: السَّيِّدِ (أَمَتَهُ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا) سَوَاءٌ أَعْتَقَهَا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ؛ أَوْ أَعْتَقَهَا لِيَتَزَوَّجَهَا إذْ لَا مَحْظُورَ فِيهِ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ كَانَ عِنْدَهُ جَارِيَةٌ فَعَلَّمَهَا. وَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا أَوْ أَحْسَنَ إلَيْهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا؛ فَلَهُ أَجْرَانِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَ) إذَا قَالَ مُكَلَّفٌ لِآخَرَ (اعْتِقْ عَبْدَك عَلَى أَنْ أُزَوِّجَك ابْنَتِي، فَأَعْتَقَهُ) لَمْ يَلْزَمْ الْقَائِلَ أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ لَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ (فَإِنْ زَوَّجَهُ) ابْنَتَهُ فَلَا كَلَامَ (وَإِلَّا) يُزَوِّجْهُ إيَّاهَا (لَزِمَهُ) أَيْ: قَائِلَ ذَلِكَ لِلْمُعْتِقِ (قِيمَتُهُ) أَيْ: الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ، وَتَقَدَّمَ.

.[الشَّرْطُ الرَّابِعُ: الشَّهَادَةُ عَلَى النِّكَاحِ]:

الشَّرْطُ (الرَّابِعُ: الشَّهَادَةُ) عَلَى النِّكَاحِ احْتِيَاطًا لِلنَّسَبِ خَوْفَ الْإِنْكَارِ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «لَا بُدَّ فِي النِّكَاحِ مِنْ حُضُورِ أَرْبَعَةٍ: الْوَلِيُّ وَالزَّوْجُ وَالشَّاهِدَانِ»، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْبَغَايَا اللَّوَاتِي يُنْكِحْنَ أَنْفُسَهُنَّ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ غَيْرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَهُوَ الْوَلَدُ، فَاشْتُرِطَتْ الشَّهَادَةُ فِيهِ لِئَلَّا يَجْحَدَهُ أَبُوهُ، فَيَضِيعُ نَسَبُهُ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مِنْ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتَقَ صَفِيَّةَ، وَتَزَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ شُهُودٍ» فَمِنْ خَصَائِصِهِ كَمَا سَبَقَ، وَلِذَلِكَ قَالَ: (إلَّا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إذَا نَكَحَ أَوْ أَنْكَحَ لِأَمْنِ الْإِنْكَارِ. مَسْأَلَةٌ: قَالَ فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ: إذَا كَانَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فِي سَفَرِ لَيْسَ مَعَهُمَا وَلِيٌّ وَلَا شُهُودٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا وَإِنْ خَافَ الزِّنَا بِهَا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ، قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الزَّرْكَشِيّ: هَذَا الْقَوْلُ بِهَذَا الْقَيْدِ فِيهِ بَشَاعَةٌ؛ فَإِنَّ مُوَافَقَةَ الزِّنَا مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، فَإِذَا أَمْكَنَ الْعُدُولُ عَنْ صَرَاحَتِهِ إلَى مَا فِيهِ شُبْهَةٌ مَا؛ فَهُوَ أَوْلَى، وَلَا شَكَّ أَنَّ النِّكَاحَ بِلَا وَلِيٍّ مُخْتَلَفٌ فِي صِحَّتِهِ؛ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْوُقُوعِ فِي زِنًا مُجْمَعٍ عَلَى تَحْرِيمِهِ. (فَلَا يَنْعَقِدُ) النِّكَاحُ (إلَّا بِشَهَادَةِ ذَكَرَيْنِ) لِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدَةَ فِي الْأَمْوَالِ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ لَا يَجُوزَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ، وَلَا فِي النِّكَاحِ، وَلَا الطَّلَاقِ (بَالِغَيْنِ عَاقِلَيْنِ) لِأَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ (مُتَكَلِّمَيْنِ) لِأَنَّ الْأَخْرَسَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ (سَمِيعَيْنِ) لِأَنَّ الْأَصَمَّ لَا يَسْمَعُ الْعَقْدَ فَيَشْهَدُ بِهِ (مُسْلِمَيْنِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» رَوَاه الْخَلَّالُ (وَلَوْ أَنَّ الزَّوْجَةَ ذِمِّيَّةٌ عَدْلَيْنِ وَلَوْ ظَاهِرًا) لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الشَّهَادَةِ إعْلَانُ النِّكَاحِ وَإِظْهَارُهُ، وَلِذَلِكَ يَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ، فَإِذَا حَضَرَ مَنْ يُشْتَهَرُ بِحُضُورِهِ، صَحَّ (فَلَا يُنْقَضُ لَوْ بَانَا) أَيْ: الشَّاهِدَانِ (فَاسِقَيْنِ) لِوُقُوعِ النِّكَاحِ فِي الْقُرَى وَالْبَوَادِي بَيْنَ عَامَّةِ النَّاسِ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ حَقِيقَةَ الْعَدَالَةِ، فَاعْتِبَارُ ذَلِكَ يَشُقُّ، فَاكْتُفِيَ بِظَاهِرِ الْحَالِ فِيهِ، وَكَذَا لَا يُنْقَضُ إنْ بَانَ الْوَلِيُّ فَاسِقًا (مِنْ غَيْرِ أَصْلِ وَفَرْعِ الزَّوْجَيْنِ) أَيْ: مِنْ غَيْرِ عَمُودَيْ نَسَبِ الزَّوْجَيْنِ وَالْوَلِيِّ، فَلَا تَصِحُّ شَهَادَةُ أَبِي الزَّوْجَةِ أَوْ جَدِّهَا فِيهِ، وَلَا ابْنِهَا وَابْنِهِ فِيهِ، وَكَذَا أَبُو الزَّوْجِ وَجَدُّهُ وَابْنُهُ وَابْنُ ابْنِهِ وَإِنْ نَزَلَ، لِلتُّهْمَةِ. وَكَذَا أَبُو الْوَلِيِّ وَابْنُهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الشَّاهِدَيْنِ حُرَّيْنِ أَوْ بَصِيرَيْنِ، فَتَصِحُّ (وَلَوْ أَنَّهُمَا قِنَّانِ أَوْ ضَرِيرَانِ) لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى قَوْلٍ أَشْبَهَتْ الِاسْتِفَاضَةَ، وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَتَيَقَّنَ الصَّوْتَ، فَلَا يَشُكُّ فِي الْعَاقِدَيْنِ كَمَا يَعْلَمْهُ مَنْ رَآهُمَا، (أَوْ) أَيْ: وَلَوْ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ (عَدُّوا الزَّوْجَيْنِ) أَوْ عَدُّوا أَحَدِهِمَا أَوْ عَدُّوا الْوَلِيِّ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» وَلِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهِمَا غَيْرُ هَذَا النِّكَاحِ؛ فَالْعَقْدُ هُوَ أَيْضًا بِهِمَا كَسَائِرِ الْعُقُودِ. (وَيَتَّجِهُ هَذَا) أَيْ شَهَادَةُ عَدُوِّي الزَّوْجَيْنِ مَقْبُولَةٌ فِي النِّكَاحِ (مِنْ حَيْثُ الصِّحَّةِ) أَيْ: صِحَّةِ الْعَقْدِ بِشَهَادَتِهِمَا وَإِبَاحَةِ مَا يَقْتَضِيهِ (وَأَمَّا لَوْ تَنَاكَرَا) أَيْ: الزَّوْجَانِ النِّكَاحَ، أَوْ أَنْكَرَهُ أَحَدُهُمَا، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَدَاوَةَ الدُّنْيَوِيَّةَ مِنْ مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ تَوَاصٍ بِكِتْمَانِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَعَ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ مَكْتُومًا (فَلَوْ كَتَمَهُ) أَيْ النِّكَاحَ (وَلِيٌّ وَشُهُودٌ وَزَوْجَانِ؛ صَحَّ) الْعَقْدُ (وَكُرِهَ) كِتْمَانُهُمْ لَهُ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ إعْلَانُ النِّكَاحِ.
تَنْبِيهٌ:
وَلَا يَنْعَقِدُ نِكَاحُ مُسْلِمٍ بِشَهَادَةِ ذِمِّيَّيْنِ، وَلَا بِشَهَادَةِ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}: وَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ ذِمِّيَّةً كِتَابِيَّةً أَبَوَاهَا كِتَابِيَّانِ. (وَلَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ بِزَوْجِيَّةِ الْآخَرِ؛ ثَبَتَ النِّكَاحُ بِإِقْرَارِهِمَا) لِعَدَمِ الْمُخَاصِمِ فِيهِ (وَلَوْ لَمْ يَقُولَا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ) لِأَنَّهُ لَا مُنَازَعَ لَهُمَا فِيهِ، وَوَرِثَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ بِالزَّوْجِيَّةِ؛ لِقِيَامِهَا بِهَا بِالْإِقْرَارِ، (وَلَوْ) أَقَرَّ الزَّوْجُ بِالزَّوْجِيَّةِ فَ (جَحَدَتْهُ) الْمَرْأَةُ (ثُمَّ أَقَرَّتْ لَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ صَحَّ الْإِقْرَارُ مِنْهَا وَ(لَمْ تَحِلَّ) لَهُ (إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ) لِاحْتِمَالِ صِدْقِهَا فِي جُحُودِهَا، وَتَرِثُهُ إنْ مَاتَ بَعْدَ إقْرَارِهَا لَهُ، لَا إنْ بَقِيَتْ عَلَى جُحُودِهَا حَتَّى مَاتَ؛ لِلتُّهْمَةِ فِي تَصْدِيقِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ. (فَإِنْ أَقَرَّ وَلِيُّ مُجْبِرٌ) أَنَّهُ زَوَّجَ مُوَلِّيَتَهُ مِنْ زَيْدٍ (صَحَّ إقْرَارُهُ) عَلَيْهَا، لِأَنَّهَا لَا قَوْلَ لَهَا إذَنْ، وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ إنْشَاءَ الْعَقْدِ، فَمَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ كَالْوَكِيلِ (وَإِلَّا) يَكُنْ الْوَلِيُّ مُجْبِرًا (فَلَا) يَصِحُّ إقْرَارُهُ عَلَى مُوَلِّيَتِهِ، لِأَنَّ لَهَا إذْنًا مُعْتَبَرًا (وَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ) بِأَتَمِّ مِنْ هَذَا. (وَلَا تُشْتَرَطُ الشَّهَادَةُ بِخُلُوِّهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ إذَا لَمْ يُعْلَمْ لَهَا سَابِقَةُ تَزَوُّجٍ، وَإِلَّا اُشْتُرِطَ ذِكْرُ خُلُوِّهَا (مِنْ الْمَوَانِعِ لِلنِّكَاحِ) كَالْعِدَّةِ وَالرِّدَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا (أَوْ) أَيْ: وَلَا تُشْتَرَطُ الشَّهَادَةُ عَلَى (إذْنِهَا) لِوَلِيِّهَا فِي الْعَقْدِ عَلَيْهَا؛ اكْتِفَاءً بِالظَّاهِرِ (وَالِاحْتِيَاطُ الْإِشْهَادُ) بِخُلُوِّهَا مِنْ الْمَوَانِعِ وَبِإِذْنِهَا؛ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ. (وَإِنَّ ادَّعَى زَوْجٌ إذْنَهَا) لِوَلِيِّهَا فِي الْعَقْدِ (وَأَنْكَرَتْ) الزَّوْجَةُ إذْنَهَا لِوَلِيِّهَا (صُدِّقَتْ قَبْلَ دُخُولِ) زَوْجٍ بِهَا مُطَاوَعَةً؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَ(لَا) تُصَدَّقُ فِي إنْكَارِهَا الْإِذْنَ (بَعْدَهُ) أَيْ: الدُّخُولِ بِهَا مُطَاوَعَةً؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ بِهَا كَذَلِكَ دَلِيلُ كَذِبِهَا. (وَإِنْ ادَّعَتْ) زَوْجَةٌ (الْإِذْنَ) لِوَلِيِّهَا فِي الْعَقْدِ (فَأَنْكَرَ وَرَثَتُهُ) ذَلِكَ (صُدِّقَتْ) لِأَنَّ الْوَلِيَّ غَيْرَ الْمُجْبِرِ لَا يُزَوِّجُ مُوَلِّيَتَهُ بِدُونِ إذْنِهَا.